كان قائد كتيبة مُقيماً فى حصن بابليون ( بمصر القديمة )، و كانت له إبنة بها روح نجس يعذبها ، فأشار عليه صديقه بأن يستدعى ( بحيلة ما ) ، راهباً متضعاً حليماً . . . لكى يصلى لها فى بيته .
فتظاهر القائد بشراء بعض الســلال من راهب قديس إشـتهر بطول الأناة و الإتضاع ،
و طلب منه القائد أن يساعده فى توصيلها إلى منزله ،
و ما كاد هذا الراهب يدخل منزل القائد حتى صاحت الفـتاة و صـفـعـتـه على خــده بقوة
، فإبـتسم الراهب و إحتمل الصفـعة بالإتضاع ، فلم يحتمل الروح النجس هذا و خرج بدون صلاة !!
الوداعة و الـتـواضع من أهم سمات الإنسان المسيحى ، " أطلب إليكم أن تسلكوا . . . . بكل تواضع و وداعة " أف 4 : 1- 2
سنابل القمح التى تمتلىء بالحبوب الكبيرة هى فــقــط التى تنحنى إلى أسفل ، و لكن السنابل التى تحمل نفسها إلى أعلى بفخر هى السنابل الخاوية التى لا تحمل إلا القليل .
و الرب يسوع له المجد يقول : { تعلمـــوا منى لأنى وديع و متواضع القلب } مت 11: 5
و الرسول بولس و ضع الوداعة ضمن ثمار الروح القدس :
" . . . . إيمان ، وداعـــــــة، تعـفـف "غلاطية 5 : 22،23
و الروح القدس يظهر أحياناً على شكل حمامة لأن الحمامة تتصف بالوداعة
و البساطة .
و من أهمية الوداعــة أنها كانت مقدمة التطويبات فى بداية العظة على الجبل ، حيث قال الرب:
{ طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض } متى 5 : 5
و يُقال أنه فى العصر الرسولى للكنيسة ، كان عندما يقابل أحد الوثنيين زميلاً له
و يجده بشوشاً وديعاً و هادئاً ، يقول له ، لعلك قابلت مسـيحياً فى الطريق ، و يقصد بذلك أن لقاءه مع أحد المسيحيين
فى وداعته كان يطبع الوداعة على وجهه بالـتأثير .
و قديماً قالوا " بداية العظمة أن تكون صغير اً و الزيادة فى العظمة أن تكون أصغر . . . أما كمال العظمة فهى أن تكون لا شىء "
و فى وصفه للزوجة الصالحة يقول أبن سيراخ : " أن كان فى لسانها رحمة و وداعة فليس رجلها كسائر البشر " إبن سيراخ 36: 25
و يقول وليم شكسبير "إن الهدوء و الوداعة هما أثمن ما يمكن أن يوجد فى المرأة " .
و الشخص الوديع إنسان حليم يحتمل الآخرين بطول الروح ، و يضع أمامه دائماً قول الكتاب
{ الجواب اللين يصرف الغضـب } أم 15 : 1 . . . . و لذلك قال الكتاب عن موسى : " و كان الرجل موسى حليماً جداً أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض " عدد 12 : 3
و من أجمل ما قيل عن سليمان الحكيم ، أن الرب منحه رحبة صدر مثل الرمل فى البحر فى الكثرة.
. . . و يطلب القديس بولس الرسول إلى تيطس أن يُذكِـر موعوظيه " بألا يطعنوا فى أحد ، و يكونوا غير مخاصمين ، حلماء ، مُظهرين كل وداعــة لجميع الناس " تيطس 3 : 2
و التسامح من أهم ما يتحلى به الشخص الوديع فى عالم مملوء بالخصومات مع الجيران و الصراعات العائلية . . . .
و لذلك ينصحنا الرسول بولس قائلاً : { مُحتملين بعضكم بعضاً ، إن كان على أحد شكوى ، كما غفر لكم المسيح ، هكذا أنتم أيضاً " 1كو 3 : 13
و لــــكـــــن ، هل الوداعة ضـد الشجاعة ،
و هل الوداعة رخاوة فى الطبع ؟!!
" لكل شىء زمان ، و لكل أمر تحت السموات وقت ،للسكوت وقت و للتكلم وقت " جا 3 : 1
فمع أن الطيبة هى الطابع العام فى حياة الشخص الوديع إلا أنه للشجاعة فى حياته وقت ، و للشهامة وقت ، و لكن فى غير عنف .
و لعل أجمل و أكمل الأمثلة هو السيد المسيح فى وداعته و حزمه ، هذا الذى قيل عنه : " لا يخاصم و لا يصيح و لا يسمع أحد فى الشوارع صوته " تراه حازماً قوياً فى تطهيره للهيكل ، حينما طرد الباعة
و قال لهم : " مكتوب بيتى بيت الصلاة يدعى و أنتم جعلتموه مغارة لصوص "مت 12 : 12، 13
و موسى النبى الذى قيل عنه أنه كان حليماً جداً أكثر من جميع الناس ، عندما نزل من الجبل و معه لــوحــا الشـريعة ، و وجد الشعب يعبد العجل الذهبى . . . .
حمى غضبه و طرح لوحى الشريعة من يديه و كسرهما . . . ثم أخذ العجل و أحرقه بالنار و طحنه
و ذراه على وجه الماء "خر32: 19-22
و إنتهر هرون رئيس الكهنة حتى إضطرب بين يديه . . .
و داود النبى الذى قيل عنه فى المزمور " أذكــر يا رب داود
قال : " من هذا الأغلف حتى يُعّير شعب الله " و ذهب و حاربه بإسم رب الجنود 1صم 17 : 45
هذا هو داود الشاب الهادىء الأشقر صاحب المزمار و القيثار ، و فى نفس الوقت صاحب الغيرة المقدسة و رجل الحرب جبار البأس . . .
" يا إبنى إقضى أعمالك بالوداعة فيحبك الإنسان الصالح " إبن سيراخ 3 : 19