السبت، 24 مايو 2008

العمق



" فدخل إحدى السفينتين التى كانت لسمعان و سأله ان يبعد قليلاً عن البر
ثم جـلس و صار يُعلم الجموع من
السفينة، و لما فرغ من الكلام قــال
لسمعان إبعد إلى العــمـــق و ألقوا
شباككم للصيد " لوقا 5 : 4

{ عندما رمى بى الله حصاة فى
بحيرة الحياة أحدثَت فـقاقيع على
سطحها ، و دوائر لا حصر لها و لكن ما أن وصلت إلى القاع حتى صرت هادئـاً ، و دائماً الذين وصلوا إلى القاع ، إلى العمــــق يصيرون هادئين ، أما االصغار فتعجبهم الفقاقيع التى يحدثونها على سطح الحياة } أحد الآباء

مــا أحوجنا هذه الأيام إلى االعمق فى كل شىء . . . .
العمـــق فى حياتنا الروحية و أعمالنا، فى عطائنا و حبنا ، فى خدمتنا و حتى فى محبتنا لإخوتنا .
أصبحنا للأسف الشديد نعيش بسطحية ، نعمل و نُقنع أنفسنا بأننا نعمل ، نُصلى و نُقنع أنفسنا
بأننا نصلى . . . . ، نحب و نُقنع أنفسنا أننا نحب ! ، . . . ، مع أن كل ما نفعله لا فائدة له،
ليس له ثمار ، إن لم يكن أولاً فيه العــمــق .


فى معجزة صيد السمك يقول الكتاب : " و لما فعلوا ذلك أمسكوا سمكاً كثيراً جداً فصارت شباكهم
تتخرق ، . . . . فأشاروا إلى شركائهم الذين فى السفينة الأخرى أن يأتوا و يساعدوهم "لو5 : 6،7
و لما دخلوا إلى العمق أمسكوا سمكاً كثيراً جداً مع أنهم تعبوا الليل كله بلا فائدة !
أى أنهم لم يجنوا ثماراً إلا بعد الدخول إلى العــمــق ، و نلاحظ أن هذه الثمار و البركات
التى نجنيها بعد دخولنا إلى العمق كثيرة جداً ، حتى أننا سندعو الآخرين ليشاركونا إياها . .
ما أجمل قول المرتل
: { كل مجــد إبـنـة المـلك من داخــل } مز 45
على الرغم من أنها مشتملة بأطراف موشــاة بالذهب، و مُزينة بأعمال كثيرة ،
و لكن كل مجدها و عــمــقــهــا فى داخلها ، و فى قـلبها . ليتنا تتخذ العمق فى حكمنا على الأشياء ، فلا ننخدع با لمظاهر الزائفة


داود النبى عندما نادى فى صلاته قال :
{ من الأعماق صرخت إليك يا رب ، يا رب إستمع صوتى } مز 130
و كأنه يقول : من عمق القلب و العاطفة ، من عمق الأستغاثة ، من عمق الأيمان و الثقة
بأنك ستستجيب لى . . . من عمق ضعفى و عجزى و عدم قدرتى . . .
ليس المهم هو طول الصلاة أو إنتقاء ألفاظها لكن المهم هو عمق المشاعر فيها ،
صــلاة الفريسى ، كانت أطول كثير اً من صلاة العشار و لكن الذى نزل إلى بيته مبرراً هو
العشار لو 18 : 14 لأنها كانت صلاة من العمق ، من عمق الإتضاع و الأنسحاق .
الصــلاة بعمق ، صلاة فيها شعور صلة بالله ، صلاة بعاطفة، بفهم . . . بتأمل . . . بشعور . . . بحب
صلاة روح و ليسست مجرد ألفاظ . . . ليس المهم فيها مقياس الطول بل مقياس العمق ، لأن
الكتبة و الفريسيين كانوا يُطيلون الصلاة لعـلة مت 23 : 14
يُحكى عن رجل بسيط مُسن كان إسمه عم بطرس ، كان يحب الرب يسوع جداً ، لكنه لم
يكن يعرف كيف يُصلى، كان يذهب إلى الكنيسة الساعة 11 صباحاً و لا يمكث أكثر من
خمسة دقائق فقط ، يرفع قلبه فى صلاة قائلاً : " يا يسوع ، بطرس هنا " ! ، ثم يخرج .
مرت الأيام و الرجل يصلى بنفس الطريقة ، و ذات مرة إنكسرت ساقه عندما كان يهبط


السلم ، فدخل المستشفى . . .
تألم بطرس جداً لأن أحداً لم يزوره . . .
و فى تمام الساعة الحادية عشرة صباحاً سمع صوت يقول له :" يا بطرس ، يســوع هنا " !
لقد قدر الله صلاته الغالية برغم بساطتها و قصرها ،
و ذهب ليواسيه فى المستشفى .

جملة واحدة يقولها إنســان بعمق ، فيتقدم واحد من الأربعة و العشرين قسيساً ، فيأخذ هذه
الصلاة فى مجمرته الذهبية ، و يصعد بها إلى عرش الله ، كرائحة بخور مع صلوات القديسينرؤ5 :8
و آخــر يقول هذه الصلاة عشرات المرات ، و لا تصل واحدة منها ، كأنه لم يكن يصلى ! الصـــــلاة بـعـمــق هى التى نقلت جبل المقطم و حفظت دانيال فى جب الأسود


عمــق العطــاء :



عمــق العطــاء :


كمثال لعمق العطاء كانت تقدمة أبينا إبراهيم إبنه محرقة ، و هو فى عمق
المحبة لله ، كان يحب الله أكثر بكثير من إبنه الوحيد الذى تحبه نفسه ، و الذى ناله بعد
صبر سنوات طويلة . .
و أيضاً الأرملة التى قدمت فلسين ، لذلك مدحها الرب و قال أنها أعطت أكثر من الجميع ،
ليس لمقدار عطائها ، و إنما لعمقه ، لأنها أعطت من أعوازها مر 12 : 41 - 44
. . . و عمق العطاء نجده فى أمثلة أخرى كثيرة مثل الذى يقدم عشور أمواله و هو فى منتهى
العوز . . . . ، و الذى يعطى من وقته لخدمات دينية أو جتماعية أو إنسانية معينة مثل “فلورنس
نايتنجيل " التى لقبوها بالملاك الأبيض و " إليزابيث فراى " التى كرست حياتها كلها لرعاية السجينات
فى إنجلترا و "الأم تريزا " بخدماتها الإنسانية فى الهند ، و من يخدمون فى الهلال الأحمر ، و الملاجىء . . ، . . . ، بدون مقابل


عــمــق التـوبة :


كثيرون تابوا و رجعوا كما كانوا، لأن توبتهم لم تكن بعمق ، أما الذين
تابوا بعمق ، فلم يعودوا إلى الخطية مرة أخرى ، لأن التوبة كانت نقطة تحــول مصيرية فى
حياتهم تدرجوا منها إلى الكمال المسيحى مثل داود النبى فى إنسـحاقه و دموعه .
و أغسطينوس الذى قال عندما تاب
:


" وقفت على قمة العالم عندما صرت لا أشتهى شيئاً و لا أخاف شيئاً"


العــمق فى الصداقة و الحــب :


أخــان ، الحب الذى يجمع بينهما لا يوصف . . . .
مات الأب . . . . . تحول الحب إلى كراهية و قضايا فى المحاكم ، بسبب ماذا ؟؟!
بسبب الميراث و المال و الطمع و الجشع . . . .
و السبب إن ما كان بينهما من حب كان ينقــصه العــــــــــمــــــــــق .
صديقان لمدة 20 سنة ، و بسبب كلمة أو وشاية يسمعها أحدهما عن الآخـر ، يخاصمان بعضهما
20 سنة !!
لمثل هؤلاء يقول الكتاب :
“ عندى عليك أنك تركت محبتك الأولى “ رؤيا 2: 4
أما المحبة العميقة فيقول عنها الكتاب المقدس :


مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفىء المحبة و السيول لا تغمرها نش 8 : 7
هى محبة عميقة كمحبة الأم لرضيعها ، و مثل المحبة التى كانت بين " داود" و "ناثان " ، محبة
تصل إلى أن تصعد على الصليب لتبذل كمحبة يسوع المسيح الذى أحب حتى بذل يو 3: 6
محبة ليست بالكلام و لا باللسان بل بالعمل و الحق 1يو 3 : 18


العـــمــــق فى القراءة


ليس المهم أن تقرأ عدداً كبيراً من الإصحاحات
، إنما ما تتركه هذه القراءات فى نفسك من عمق و تأثير . . .
أن آية واحدة سمعها الشاب " أنطونيوس " ، و أخذها بعمــق أمكنها أن
تُغير حياته كلها . . .
فهل أنت تقرأ بنفس العمــق الذى إستمع به القديس " أنطونيوس " إلى تلك الآية ؟؟!
عمــق الشخـصية :



الشخصية العميقة لها عمق فى التفكير و التدبير ، عمق فى الذكاء و الفهم ،
كذلك فى العمل و المسئولية ، يناول كل شىء بعمق . . .
سر عبقرية العلماء الذين غيروا الكون بإكتشافاتهم و إختراعاتهم ، إنما يرجع أصلاً إلى عمق
تفكيرهم و تركيزهم . . .
فلتكن حياتنا نابعة من عمق إلى عمق .
من عمق محبتنا لله إلى عمق قلب الله و حب الناس